السبت، 22 مارس 2008


يقول أدم الطاهر حمدون ، القيادي في المؤتمر الشعبي بقيادة دكتور الترابي ، أنه لا يملك شيئاً أنذاك يحول بين القتلة والقتيل ، ويقول أنه لم يسمع بحركة بولاد ونهايتها إلا بعد فوات الآوان .أما الدكتور علي الحاج فقد راوغ كثيراً ، فهو لا يريد الخوض في تفاصيل هذه الحادثة ، وهو بالتأكيد يعلم الكثير ، فداوود يحي بولاد كان معروفاً في أوساط الحركة الإسلامية .أما الشاهد الأكبر فهو الطيب إبراهيم محمد خير ( السيخة ) ، فمعظم المعلومات التي خرجت للإعلام مصدرها مكتب الطيب سيخة .جريدة ( آخر لحظة ) التي كان يصدرها الإتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم كان أول من نشر الخبر :(( داوود بولاد أرتد عن الدين بعد ما وضع الصليب حول عنقه ..مزّق المصحف الشريف وعاقر الخمر ..أمر بتهديم المساجد ..أعتدى على الحرث والنسل بعد أن رفع السلاح في وجه الدولة ..لقد لقي الجزاء الذي يستحقه ))عُقدت محاكمة سريعة غير معلنة ، ولا نعرف على وجه التحديد كيف قُتل داوود بولاد ، لكنه بالتأكيد قُتل بطريقة بشعة بعد أن تعرّض لتعذيب مروع ، طريقة قتله كان فيها الكثير من التشفي والانتقام .وسؤالي هو :من هو داوود يحي بولاد ؟؟ ومتى بدأ خلافه مع الجبهة الإسلامية القومية ؟؟وكيف نشأت حركته ؟؟ وما العلاقة التي كانت تربطها بالحركة الشعبية ؟؟وهل صحيح أنه أرتد عن الإسلام ومزق المصحف وقلّد عنقه بالصليب ؟؟ أم أن الإنقاذ أرادت بهذه المزاعم إثارة نقمة الناس على أول قائد حركة تحرر عسكرية في دارفور لا يعرف الناس عنه الكثير ؟؟الكثير من الأسئلة ظلت بلا إجابة لمدة ستة عشر عاماً من غير أن تصدر دراسة مستقلة عن اسباب قيام هذه الحركة ونهايتها بهذا الشكل الماسأوي .
فكرة إستخدام القبائل ضد بعضها البعض سلاحٌ أستخدمته الإنقاذ بعد قضائها على هذه الحركة الوليدة ، وقتها كانت الإنقاذ مشغولة بحرب الجنوب ، لذلك كان خوفها الكبير أن تُفتح عليها جبهة في دارفور .يُعتبر الطيب سيخة أول من اسهم في تكوين حركة الجنجويد والتي كان قومها من القبائل العربية التي تقطن إقليم دارفور ، وُصفت حركة الجنجويد عند أول نشأتها بمجموعة الفرسان ، والنصر الذي حققته الإنقاذ على حركة بولاد جيّرته لصالح الفرسان أو الجنجويد كما يسمونهم اليوم .لكن الإنقاذ تحاشت ترداد هذا النصر في وسائل الإعلام كما كانت تفعل مع الحركة الشعبية ، ربما أيقنت أن حركات التمرد في السودان لا تنتهي عادةً بموت القائد ، سواء كان موته طبيعياً أو في ميدان القتال ، حلقة مسجلة في تلفزيون نيالا هي الدليل الوثائقي الوحيد على وجود هذه الحركة ، بعدها اُعدمت كل الأدلة .. صمت إعلام الإنقاذ عن الخوض في التفاصيل ..لكن مهما قلنا يمكنني الجزم أن حركة الشهيد بولاد هي التي مهدت لنشوء حركات المقاومة الجديدة في دارفور ، فقد أستفادت الحركات الجديدة من الخطأ الذي وقعت فيه حركة الشهيد بولاد ، وبالذات في ما يخص الدعم الإقليمي والحراك السياسي ، صحيح أن حركة الشهيد بولاد بدأت في الخفاء لكن الظرف السياسي أنذاك لم يكن مؤاتياً ، فحتى أبناء دارفور جزء كبير منهم كان داخل منظومة الإنقاذ ، والأزمة بين المركز والهامش لم تكن بنفس الوضوح الذي نراه اليوم .
أيام الشهيد داوود يحي بولادأعتذر للأخوة القراء إن كان توثيقي لحركة الشهيد داوود بولاد قد أثار بحر أحزانهم ، ربما صورة التشفي والانتقام التي مارسها النظام وهو يقمع هذه الحركة الوليدة هي التي جعلت لحظات حزننا تدوم وتدوم لعقود من الزمن ، فرغم التعتيم وإفراغ أضابير الدولة عن كل ملف يخص هذه الحركة إلا أن الكثير في طور خروجه إلي العلن ، فلم يعد الفرقاء كسابق عهدهم كالبنيان المرصوص كما كانوا يسمون أنفسهم ، فعدوى التشرذم سرت في أوصال الجسد المقطع بالأوبئة المميتة ، ولا زال السؤال عالقاً في الأذهان ..كيف بدأت الحركة ولماذا انتهت بهذا الشكل الذي لم يكن يتوقعه أحد ؟؟كل ما يتعلق بهذه الحركة نُشر في الصحافة الخلفية لحكومة الإنقاذ ، مقتطفات من الحدث نُشرت وتحت أسماء مُستعارة في صحيفة ( المسيرة ) ، وهي صحيفة كان يصدرها الاتحاد العام للطلاب السودانيين ، وبعض المقالات التي تطرقت للواقعة نشرت في مجلة ( الملتقي ) التي كان يرأس تحريرها مناصفةً كل من محي الدين تيتاوي والمرحوم محمد طه محمد أحمد .عرّض تلفزيون السودان تقريراً مصوراً ظهر فيه الطيب إبراهيم محمد خير وهو يعانق قوات الفرسان التي نسب إليها النصر ، وقوات الفرسان كما أسلفنا هي أول نواة للجنجويد قبل أن ينتقل الملف إلي الوزير أحمد هارون ، قال الإعلام الحكومي أن الحركة كانت تتكون من مائتي مقاتل ، وقد كانوا في طريقهم إلي جبل مرة لكن العتاد الثقيل الذي كانوا يحملونه قد أعاق سيرهم ، مما جعلهم يسقطون كفريسة سهلة في يد القوات الحكومية ، لا أعلم على وجه التحديد العدد الذي نجا من القتل والأسر من بين هؤلاء المائتين لكن التقارير الحكومية أشارت إلي فرار عبد العزيز الحلو، ولا ادري هل يقصدون بهذا الاسم القائد عبد العزيز الحلو ممثل الحركة الشعبية عن قطاع جبال النوبة أم شخص آخر تخيلته ذاكرتهم ؟؟ ، كما نوّه أخي المستشار إبراهيم علي إبراهيم أن الشهيد داوود بولاد قد أُعدم عن طريق محاكمة غير علنية ، لكن في حقيقة الأمر أنه اُعدم بلا محاكمة ، واختلفت الروايات فهل هو أُعدم في نيالا ؟؟ أم في العاصمة الخرطوم بعد أن نُقل إليها بواسطة المروحيات ؟؟ ، والغريب في الأمر أن أبناء دارفور في الحركة الإسلامية كانوا بعيدين عن هذا الملف ، ولذلك نراهم اليوم يتنصلون عن معرفتهم بالكيفية التي أُعدم بها الشهيد بولاد ، هذا عار يدفعون ثمنه اليوم بعد أن رأوا كيف أن النظام الذي مكنوه في السلطة يتحول إلي وحش كاسر ، يقوم الآن بهدم منازلهم وتجريف قراهم ، صحوة الضمير جاءت متأخرة ، وقد سبق السيف العذل كما قال أخي المستشار إبراهيم علي إبراهيم وهو يجيب على الأسئلة القاتلة للنجمة الإذاعية الأستاذة منتهى الرمحي .كان الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بيلا يكرر دائماً : لولا الحلم لما قامت الثورة ، الشهيد داوود بولاد كان روح ثورة المهمشين في دارفور ، فقد مات واقفا وحلمه بالثورة لم يكن سراباً ً ، وشهادة جامعة الخرطوم في الهندسة وحفظه للقرآن الكريم وانخراطه المبكر في تنظيم الحركة الإسلامية لم يعطياه ميتةً مميزة تفصله عن الواقع المرير لأهل دارفور ، مات مثله ومثل أي أم دارفورية لقيت ربها وهي تضم إلي حجرها طفلها الرضيع وهي تظن أن جسدها الواهن سوف يعصمه من حميم الطائرات المغيرة ، يقول الأستاذ محجوب حسين أن عدد قتلى دارفور بلغ في ثلاثة سنوات 500 ألف ، وهو نصف شهداء الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي في ثلاثة عقود من الزمن ، لكن الشهيد بولاد قد تبوأ هرم هذه القائمة من الشهداء ، فقد مات من أجل كرامة أهل دارفور منذ وقت مبكر ، مات وهو يرى الموت في عيون جلاديه الذين قتلوه سراً ثم أخفوا جثته في حرز حريز ، خافوه وهو على قيد الحياة ثم خافوا أن يخرج خياله من عتمة القبر ليطالب بالعدل و القصاص .لم أنظر وقتذاك إلي حادثة اغتيال الشهيد بولاد بأنها عمل عنصري ، أي إذا أردت الوضوح أكثر أنها جريمة ارتكبها شخص دخيل ومحسوب لجهة ما ، في حق شخصية من طينة إقليمنا المنكوب وقد ترعرعت في سهوله وهضابه ، لأن الإنقاذ وقتها كانت توّزع الظلم بالتساوي على بقاع السودان ، فهي قد قتلت – قبل عام من حركة الشهيد بولاد- ثمانية وعشرون ضابطاً من أبناء القوات المسلحة السودانية ، جلّ هؤلاء الشهداء كانوا من شمال السودان ، ففي حركة 28 رمضان أعدمت الإنقاذ من كانت تظنهم يسعون إلي إزالتها عن سدة الحكم ، أما بالنسبة لدارفور فهي لم تكن تفرق بين من يحمل السلاح وبين مواطن بسيط يحتمي بحيطان داره ، الكل سواسية أمام آلة الموت والحصد الجماعي للأرواح ، هذا ا يجعل وجه المقاربة يكاد ينتهي لو لم يتلاشى البتة .
سارة عيسي

ليست هناك تعليقات: